البَابُ الأوَّلُ: في الطَّهَارةِ
تعرَّفْ -أيُّها الطالبُ الأريبُ، وهبَك الله الطَّهارةَ الظاهرةَ
والباطنةَ- أنَّ الطهارةَ مِنْ أيِّ نجاسةٍ منَ النَّجاساتِ شرطٌ منْ شروطِ
صحةِ الصَّلاةِ، وتشملُ هذه الطهارةُ طهارةَ الجسْمِ والثَّوبِ والمكانِ،
وللطهارةِ أنواعٌ ومطَهِّراتٌ سَيأتي ذكرُها فـَ} لِكُلِّ نَبَإٍ
مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{ بإذنِ الله تعَالى.
فَصْلٌ في أَصْلِ الطَّهَارَةِ
الطَّهارةُ في أصلِها اللُّغويِّ تشيرُ إلى معنى النَّظَافةِ، وفي
الشَّرْعِ: هيَ إِزالةُ كُلِّ عَينٍ مُسْتقذَرَةٍ أَمَرَ الشَّارِعُ
بإِزالتِهَا، أوْ غُسْلُ أعضاءٍ مخصوصةٍ بصِفَةٍ مخصُوصَةٍ.
وعنْ أَصْلِها الشَّرعيِّ حَسْبُكَ قولُهُ تعَالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ
بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً
فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ
مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ
مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ
حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ المائدة: ٦
فَصْلٌ في تَقْسِيمِ الطَّهَارَةِ
الطَّهارةُ تنقسمُ إلى قسْمينِ: طهارةٌ منَ النَّجَسِ (الخَبَثِ)، وطهارةٌ منَ الحَدَثِ.
فالنَّجَسُ أو الخبَثُ: هوَ عبارةٌ عنْ عَينِ النَّجاسةِ القائمةِ بالشَّخْصِ أوِ الثَّوبِ أوِ المكَانِ.
وأمَّا الحدَثُ فهوَ: الحالةُ النَّاقِضَةُ للطَّهارةِ شرعًا، أو قلْ: هو
معنىً قائمٌ بالنَّفسِ مانعٌ منْ بعضِ العباداتِ كالصَّلاةِ والطَّوافِ[1]،
وينقسمُ الحدثُ إلى قسمينِ: أكبرَ وأصغرَ، فالأصغرُ: ما يُوِجبُ
الوُضوءَ[2]، ومنْ أسْبابهِ: خُروجُ البَولِ والغَائطِ والرِّيحِ والمذيِ
والوديِ، أو ملامسةُ نجاسةٍ من النَّجاساتِ، ويمتنعُ معَ وجودِ الحَدثِ
الأصغرِ ما يلي:
أ- أداءُ الصَّلاةِ؛ لقولِه e :".. ولا صلاةَ لمَن لا وضوءَ له"[3].
ب- مسُّ المُصحَفِ وقراءَةُ القُرآنِ الكَريمِ منْهُ[4]؛ لحديثِ الرَّبيعِ
أنَّهُ e قالَ في الجنُبِ والحائضِ والذينَ لم يكونوا على طهارةٍ: (( لا
يقرؤونَ القرآنَ ولا يطؤونَ مُصحفًا بأيديهمْ حتى يكونوا مُتَوضِئينَ
))[5].
ج- الطَّوافُ بالبيتِ[6]؛ لما رُوِيَ:" الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ، إلا أنَّ
الله أحلَّ فيهِ النُّطقَ، فمَن نطقَ فيهِ فلا ينطقْ إلا بخيرٍ"[7].
أمَّا الحدَثُ الأكبرُ: فهو ما يُلزِمُ الغُسلَ، ومِن أسبابِهِ: الجنابةُ
(الإنزالُ أو الجماعُ)، والحيضُ والنفاسُ، ويمتنعُ معَ الحدثِ الأكبرِ ما
يلي:
أ- أدَاءُ الصَّلاةِ: لوُجُودِ الحَدَثِ المانعِ مِنَ العبادةِ، وفي
الحديثِ: " لا يَقْبَلُ الله صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ "[8]، والطَّوافُ
بالبَيْتِ: لقَولِهِ e لِعَائشَةَ عندَمَا حَاضَتْ: "افعَلِيْ مَا يفعَلُ
الحَاجُّ، غيرَ أنكِ لا تطُوفي بِالبَيتِ حتى تطهُرِيْ"[9].
ب- الصِّيامُ؛ لقولِهِ e: " مَن أصبحَ جُنبًا أصبحَ مُفطرًا"[10]، وَلما
رُوي أنَّ السَّيدةَ عائشةَ قَالَتْ: " كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ الله e ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلا
يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ"[11]، وَإذَا امْتنَعَ الصِّيَامُ امتنعَ
الاعْتِكَافُ لأنَّهُ مَشْروطٌ بالصِّيامِ.
ج- قراءةُ القُرآنِ الكَريمِ مطلقًا وكتابتُهُ، ولمسُ المُصحفِ[12]؛ لحديثِ
الربيعِ السَّابقِ: قالَ في الجنبِ والحائضِ والذين لمْ يكونُوا على
طهارةٍ: (( لا يقرؤونَ القرآنَ ولا يطؤونَ مُصحفًا بأيدِيهمْ حتى يكونُوا
متوضِئينَ ))[13].
د- المباشرةُ بينَ الزوجينِ (حالَ الحيضِ نصًّا، والنِّفاسِ قياسًا)؛
قَالَ تَعَالى: }فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ{ البقرة: ٢٢٢.
ذ- دُخُولُ المسْجِدِ: كَمَا تجِدُهُ في بَابِ "أحكَامُ المسَاجِدِ".
ويُلخِّصُ لنا هذِهِ الأحكامَ الإمامُ السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ- فاحفظْها واشدُدْ بها يدًا، تكنْ لكَ ذِكْرى، وقديمًا قيلَ:
"مَن حَفِظَ المتُونَ حازَ الفنونَ"
الصَّوْمُ وَالصَّلاةُ والطَّوَافُ=وَسَجْدَةُ الذِّكْرِ وَالاعْتِكَافُ
تِلاوَةُ الذِّكْرِ مُرُوْرُ المَسْجِدِ=وَالْمَسُّ لِلْمُصْحَفِ حُرْمٌ فَابْعُدِ
لِحَائِضٍ وَنُفَسَا وَجُنُبِ= وَالْوَطْءَ مِنْ هَاتَيْنِ فَلْتَجْتَنِبِ
وَلْيُبْدِلُوا الطَّوَافَ وَالصِّيَامَا= وَالاعْتِكَافَ هَكَذَا تَمَامَا
فَصْلٌ في النيَّةِ للطَّهارَةِ
اِعلمْ -أيُّها المتفقهُ- أنَّ العباداتِ إجمالاً تنقسمُ إِلى قِسْمَينِ
اثنينِ: الأوَّلُ/ عباداتٌ معقولَةُ المعْنى، وهيَ: التي يُدرِكُ
المكَلَّفُ الحِكمَةَ مِنْ تَشريعِها، والقِسمُ الثَّاني/ عباداتٌ غيرُ
معقولة المعْنى، وهيَ: التي لا يُدرِكُ المكلَّفُ الحِكْمَةَ مِن
تَشريعِها.
فالنيَّةُ شرطٌ في صحةِ العباداتِ غيرِ المعقولةِ المعنى، ومنها الطهارةُ
منَ الحدَثِ الأصغرِ والأكبرِ، إذ لا تُدرَكُ الحكمةُ مِن غُسلِ أعضاءٍ
دونَ أُخرى
معَ أنَّ الظَّاهرَ طهارةُ الكُلِّ، قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ { البينة: ٥.
أمَّا التطهُّرُ منَ النَّجَسِ فإنهُّ لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ؛ لأنَّ
المقصودَ إزالةُ عَينِ النَّجاسةِ منَ البَدنِ أوِ الثوبِ أو المكانِ،
فيطهُرُ محلُّ النَّجاسةِ بغُسلهِ بلا نيةٍ على المُعْتمَد عندَ
علمائِنا -حفظَهم الله-[14]، يقولُ سماحةُ الشيخِ -يحفظُهُ اللهُ
تعالى-:"..هذَا والنِّيةُ التي هيَ الَقصدُ بالقلبِ إنِّما تَجِبُ في غيرِ
معقولِ المعنى منَ الأعمالِ، وذلكَ كالصَّلاةِ والوضوءِ، أمَّا مَا كانَ
معقولَ المعْنى كالتطهُّرِ منَ النَّجاسةِ فلا تجبُ لهُ النيةُ، فلو
َفعَلهُ الإنسانُ ساهيًا لم يكنْ عليهِ حرجٌ ولم تلزمْهُ الإعادةُ"[15].
}فَائِدَةٌ:{ ينْبغِي للمُسلِمِ دائمًا أنْ يصطحبَ النيةَ في أدائِهِ
لجميعِ العباداتِ معقولةً كانتْ أوْ غيرَ معقولةٍ بلْ ويُعدِّدَ النِّياتِ
للعبادَةِ الواحِدَةِ حَتى يُؤجَرَ بِكلِّ نيةٍ ينْويها.
فَصْلٌ في أَقْسَامِ الميَاهِ
الماءُ: هوَ أقوى المطهِّراتِ في إزالةِ النجاساتِ على الإطلاقِ، بلْ هوَ
المطهِّرُ الوحيدُ لرفعِ الأحداثِ[16]، وقد قسَّمَ الفقهاءُ الماءَ تبعًا
لحكمِ كلِّ واحدٍ منهُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
القِسمُ الأوَّلُ: الماءُ المطلَقُ/ وهو الماءُ الباقي على أصْلِ خلقتِهِ،
ويُلحَقُ به عندَ جمهورِ الفقهاءِ ما تغَيَّرَ بطولِ مكثِهِ[17]، أو بما هو
متولِّدٌ منهُ كَالطُّحلُبِ[18]،
أو بطاهرٍ لا ينفَكُّ عنهُ كَالملحِ ووَرَقِ الأشْجَارِ والتُّرابِ[19]، ويُعرَفُ هذا النوعُ بـ"المَاءِ الطَّهُوْرِ".
وحُكْمُهُ: أنَّهُ يُزيلُ الخبثَ ويرفَعُ الحدثَ، فهو الماءُ الذي يَصلُحُ
للوضوءِ وللاغتسالِ دونَ غيرِهِ مِنْ أقسَامِ المياهِ الأخْرَى[20]؛ قال
تعالى: }وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم{
الأنفال: ١١، ومِنْ أشكالِهِ: ماءُ الأمطارِ والأفلاجِ والبحارِ والأوديةِ
والعيون[21].
القِسْمُ الثَّاني: الماءُ الطَّاهرُ/ وهوَ ما اختلَطَ بِهِ طاهرٌ ينفَكُّ
عنهُ في أصلِهِ، وحُكمُهُ: أنَّه يُزيلُ الخبثَ ولا يَرفعُ الحدَثَ، ومِنْ
أشكالِهِ: الماءُ المختلِطُ بالصَّابونِ أو الزَّعفرانِ، وكذلكَ الماءُ
المستخرَجُ منَ النَّباتاتِ.
القِسْمُ الثالثُ الماءُ النَّجِسُ/ وهو الماءُ الذي وقعتْ فيِه نجاسةٌ
فغيَّرتْ لونَه أو طعمَه أو رائحتَه، وحكمُهُ: أنَّه لا يُزيلُ الخبثَ ولا
يَرفعُ الحدثَ بالاتفاقِ.
يقولُ الإمامُ السَّالِمِي -رَحمَهُ اللهُ-[22]:
الماءُ مِنهُ طاهِرٌ مطهِّرُ=ومِنهُ طَاهِرٌ و لا يُطهِّرُ
ومنهُ رِجْسٌ صَحَّ فيهِ النَّجَسُ=والأولُ المُطلَقُ ليسَ يَنْجُسُ
إلا إذا بِنَجَسٍ تغيَّرا=لونًا وعَرْفًا وبطَعْمٍ غُيِّرَا
مَسْألةٌ
الماءُ إذا كانَ فوقَ القُّلتَينِ* فَلا يتنجَّسُ بوقوعِ النَّجاسَةِ فيهِ
ما لمْ يتغَيَّرْ أَحَدُ أوصَافِهِ؛ لقولِهِ e: "الماءُ طَهُورٌ لا
يُنجِّسُهُ إِلا مَا غَيَّرَ لونَهُ أوْ طعمَهُ أو رائِحَتَهُ"[23].
أمَّا إذَا كانَ الماءُ دونَ القُلَّتينِ ووَقَعَتْ فيهِ نجاسةٌ فغيرتْ أحدَ أوصافِه الثلاثةِ فإنَّهُ ينجسُ باتفاقٍ.
واختلفَ العلماءُ إذا لم يتغيرْ أحدُ أوصافِه، فقِيلَ: ينجُسُ؛ لقولِه e: "
إذا كانَ الماءُ قدرَ قُلتينِ لمْ يحتمِلْ خَبَثًا"[24]، وذهبَ بعضُ
المحققينَ وعلى رأسِهم شيخُنا القنوبيُّ -حفظَه الله- إلى القولِ بعدمِ
نجاستهِ؛ حملاً للحديثِ على الأغلبِ المعتادِ[25].
مَسْأَلةٌ أُخْرَى
أَلحقَ بعضُ العلماءِ بالماءِ الطَّاهرِ الماءَ المستعمَلَ -وهو الماءُ
المتساقِطُ مِن أعضاءِ الوضوءِ أو الغسلِ- في إزالةِ الخبثِ وعدمِ رفعِ
الحدثِ، فمنعوا الوضوءَ والاغتسالَ بِه، وصحَّحَ الشيخُ القنوبيُّ -حفظَهُ
الله- جوازَ استعمالِهِ لرفِع ِالأحداثِ فحكمُه: حكمُ الماءِ المطلقِ في
صحةِ استعمالِه للوضوءِ والغسلِ، وإنْ كانَ الخروجُ منَ الخلافِ هوَ الأولى
عندَ الإمكانِ[26].
فَصْلٌ في آدابِ قضَاءِ الحَاجَةِ
تعرَّفْ -أيُّها العبدُ الضعيفُ، رحمِني اللهُ وإياكَ- أنَّ حِكْمةَ
الحكيمِ I قضتْ أنْ يجعلَ في الإنسانِ ما يُشعرُهُ بضعفهِ وقلةِ حيلتِهِ،
ومِنْ ذلكَ حاجتُهُ الماسَّةُ والضروريَّةُ لقضاءِ حاجتِه الطبيعيةِ
وإخراجِ تلكَ الإفرازاتِ السَّامَّةِ والمؤذيةِ، حتى إنَّ الإنسانَ لا
يمكنُهُ العيشُ ولا يَقِرُّ له قرارٌ حتى تخرجَ منهُ وتنفصلَ عنْ جسدِه.
وجاءَ هذا الدِّينُ العظيمُ ليُكرِّمَ هذا المخلوقَ الضعيفَ على سائرِ
الخلقِ، فوضعَ له مِنَ الآدابِ ما يحفظُ كرامتَهُ، ويحولُ دونَ أن تنحطَّ
بِه هذه العادةُ اليوميةُ إلى المرتبةِ الحيوانيةِ، فكانت هذه الآدابُ منْ
سُنَنِ الفِطْرةِ التي أَرشدَ إِليْهَا الشَرْعُ الحنيفُ.
وآدابُ قضاءِ الحاجةِ منها ما هو واجبٌ على الإِنْسانِ، ومنها ما هو
مستحَبٌّ لا يأثمُ بتركِهِ المُكلَّفُ، ومن جملةِ آدابِ قضاءِ الحاجةِ ما
يَأتي:
1- أنْ لا يصطَحِبَ معَهُ كلَّ ما لا يَليقُ حملُه عندَ قضاءِ
الحاجةِ كالمُصحفِ وما كُتبَ عليه اسمُ الله تعالى، وبهِ تُدرِكُ -أيُّها
الأريبُ- أنّهُ لا ينبغي كتابةُ اسمِ المولى I أو شيءٍ مِن القرآنِ على
السَّاعاتِ أوِ القلائدِ أوِ العقودِ التي يلبسُها الصِّغارُ والكبارُ،
فإِنْ كانَ لابُدَّ منْها فلْيستُرْها في جيبِهِ أو تحتَ ثَوبِهِ.
2- أنْ يكُونَ مكَانُ قَضَاءِ الحَاجَةِ:
`ساترًا عنْ أعينِ الناسِ: بعيدًا عنهم، بحيثُ لا يُسمعُ له صوتٌ، ولا
تُشمُ لهُ رائحَةٌ -بقدرِ الإِمكَانِ-، فقدْ كانَ عليهِ الصَّلاةُ
والسَّلامُ إذا خرجَ لحاجتِهِ أبعدَ المذْهبَ[27].
` غيرَ مُتَّخذٍ لمصالحِ الناسِ: كموضعِ الجلوسِ أو المرورِ، قال عليه
الصلاةُ والسَّلامُ: "اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ، قَالُوَا: وَمَا اللاعِنَانِ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ
ظِلِّهِمْ"[28].
` منخفضًا ليِّنًا: لا يؤدِّي إلى تطايرِ شيءٍ من النجسِ إلى البدنِ أو
الثيابِ، ولذلك يُنهى أيضًا عن استقبالِ الريحِ لئلا يَرتدَّ إليه شيءٌ منْ
شررِ البولِ.
3- أنْ لا يستقبلَ القِبلةَ ولا يستدبرَهَا في بولِه وغائِطِه[29]:
لحديثِ جابرِ بنِ عبدِ الله { مرفوعًا: "لا تستقبِلُوا القبلةَ ببولٍ ولا
غائطٍ"[30].
وقدِ اختلفَ العلماءُ في هذهِ المسألةِ كثيرًا، والمُعْتمَدُ المشْهُورُ
في المذْهَبِ هوَ رأيُ ابنِ عباسٍ { بأنَّ النهيَ محصورٌ في الفَضَاءِ،
أمَّا في المَبانِي المُعَدَّةِ لذلكَ فلا حَرَجَ، فقد جاءَ في روايةِ
الربيعِ أنَّ جابرًا سألَ ابنَ عباسٍ { عن هذه المسألةِ فقالَ: "ذلكَ إذا
كانَ في الصحاري والقِفَارِ، أمَّا في البيوتِ فلا حَرَجَ لأنَّه قد حالَ
بينَ الناسِ وبينَ القبلةِ حِيالٌ وهو الجدَارُ"[31].
4- أنْ يُقدِّمَ في الدُّخولِ لمكانِ قضَاءِ الحَاجةِ رجلَهُ
اليُسرَى، ويقولُ: "اللَّهمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ من الخُبُثِ
والخبائثِ"[32]، وإذا كانَ في الفَضَاءِ فإنَّه يقولُ هذا الدعاءَ عندَ
تشْميرِه لثيابِهِ.
أمَّا عندَ الخروجِ فيقدِّمُ رجلَهُ اليُمنى، ويقولُ :"غُفْرَانَكَ"[33].
5- أنْ لا يَقضِيَ حاجتَهُ قائمًا خوفًا منْ تطايرِ شيءٍ مِن
النَّجَسِ إليه، ولمخالفةِ ذلكَ لهيئةِ السِّترِ والخُلُقِ الكريمِ،
والثابتُ عنِ المعْصُومِ عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التسليمِ أنَّه ما
كانَ يبولُ إلا جالسًا[34].
6- أنْ لا يقضيَ حاجتَهُ في جُحرٍ، فعنِ ابنِ عباسٍ { أنَّ النَّبِيَّ
e " نهَى عنِ البولِ والغَائطِ في الأجحرةِ" قالَ ابنُ عباسٍ : إِنما نَهى
عنْ ذلكَ عليه السَّلامُ لأنها مساكنُ إخوانِكمْ مِنَ الجِنِّ[35].
7- أنْ يكفَّ عنِ الكلامِ أثناءَ قضاءِ الحاجةِ إلا لضرورةٍ، فقد ثبتَ
أنَّ رجلاً سَلَّمَ على النَّبِيِّ e وهوَ جالسٌ لحاجتِه فلم يردَّ عليهِ
السلامَ[36].
8- أنْ يستبرئَ ويستجمرَ ويستنجيَ:
فالاستبراءُ هو إزالةُ أثرِ البولِ المتبقي بمخرجِه، وهوَ واجبٌ؛ لأنَّ
الرسولَ e علَّقَ الوعيدَ على تركِهِ، فقالَ في الرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ
يُعذَّبانِ في قبورِهما[37]:" يُعذَّبان ومَا يُعذَّبانِ بكبيرٍ، أمَّا
أحدُهما فقدْ كانَ لا يستبرئُ منَ البولِ، وأمَّا الآخرُ فكانَ يمشِي بينَ
النَّاسِ بالنميمةِ"[38].
ومنْ طُرُقِ الاستبراءِ المفضَّلَةِ: أنْ يَسلِتَ المستبرئُ ذكرَهُ وذلكَ بالضغطِ عليه مُبتدئًا مِن أصلِهِ إلى مُنتهاهُ.
أمَّا الاستجمارُ فهو إزالةُ آثارِ عينِ النجاسةِ المتبقيةِ بالحجارةِ
-كمَا هُو الحالُ في السابقِ-، أو ما يقومُ مقامَها كالمناديلِ الورقيةِ في
وقتِنا الحالي.
وقدِ اختلفَ العلماءُ في حُكمِ الاستِجْمَارِ، فذهبَ إباضيةُ المغربِ إلى
وجوبِهِ، وهذا القولُ أحوطُ وأولى بالاتباعِ، وذهبَ كثيرٌ منَ العلماءِ إلى
عدمِ الوجوبِ[39]، إلا أنَّه لا يَنبغِي التفريطُ فيهِ لا سِيَّما ممَّنْ
كانَ مبتلىً بسلسِ البولِ أوْ لا ينقطعُ عنهُ مدَدُ البَولِ مُبَاشَرةً؛
لأنَّ استخدامَ الماءِ مباشرةً قدْ يزيدُ مِن جَرَيانِ البولِ.
}تَنْبِيهٌ{: ولْيحذرِ المتطَهِّرُ مِنَ الوسْوسَةِ والشُّكُوكِ
والمبالَغةِ في الاستبراءِ والاستجمارِ والاستنجاءِ حتى يصلَ بِهِ إلى حدِّ
الوَسْواسَ القَهْرِيْ؛ فإنَّهُ بابٌ ومصْيدَةٌ للشَّيطانِ[40].
فَتْوَى
السُّؤالُ/ ما حُكمُ الاستجمارِ؟ وهل يكونُ من البولِ فقط أم مِنَ البولِ والغائِطِ؟
الجَوابُ/ ذهبَ أصحابُنا من أهلِ المَغربِ إلى وجُوبِه للأمرِ بِه في
الحديثِ، والأصلُ أن يُحملَ الأمرُ على الوجوبِ، وذهبَ غيرُهم إلى أنَّه
مندوبٌ إليهِ، والقولُ الأوَّلُ أحوطُ وأولى بالاتباعِ، ولا فرقَ في ذلكَ
بينَ الأخبثَينِ. وَالله أعلمُ[41].
أمَّا الاستنجاءُ فهو غُسْلُ السَّبيلَينِ (القُبُلِ والدُّبُرِ) بالماءِ
الطَّهورِ أو الطَّاهرِ لإزالةِ ما بقيَ مِن النَّجَاسةِ[42]، والاستنجاءُ
يكونُ بعدَ الاستبراءِ والاستجمارِ، والصحيحُ المُعْتمَدُ عندَنا أنَّه
واجبٌ لا بُدَّ منهُ حتى يتوضأَ المُكلَّفُ لأداءِ الصلاةِ؛ لأنَّ الماءَ
هو أقوى المطهراتِ على الإطلاقِ في إزالةِ عَينِ النجاسةِ مِنْ مباطِنِها
إلا إذا منعَهُ مانعٌ مِن استِعمالِ الماءِ[43].
فَتْوَى
السُّؤالُ/ هَلْ يُجزي الاستجمارُ بالحِجارةِ دُونَ الماءِ لأداءِ الصَّلاةِ؟
الجَوابُ/ لا تُجْزِي الحجارةُ عنِ الماءِ عندَنا بلْ لا بُدَّ مِنَ الجمعِ
بينَهما وذلكَ صنيعُ أهلِ قُباءَ الذينَ أَثْنى الله تَعَالى عليْهِم
بقولِهِ: } لّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ { التوبة: ١٠، والنَّبِيُّ e قدْ أمرَ
أن يُصنَعَ مثلَ ما صَنعوا، وقدْ جاءَ إليهمْ النَّبِيُّ e وسأَلهمْ بِمَ
استحقُّوا هذَا الثناءَ مِنَ الله ؟ فقالُوا: إنَّهم يُتْبِعونَ الحجارةَ
الماءَ، وعليْهِ فإنَّ على الذي نَسِيَ استعمالَ الماءِ أن يُعيدَ صلاتَهُ
لأنَّ صلاتَه غيرُ تامةٍ، والله أعلمُ[44].
خَاتمةٌ
ويُلَخِّصُ لنا الإمامُ نُورُ الدِّينِ السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ-
بعضًا مِنْ هذِهِ الآدابِ بعباراتِهِ الرَّائقةِ السَّهلةِ والمخْتَصَرةِ
فيَقولُ[45]:
بَيانُ مَا يفعلُهُ العِبادُ=عندَ قضَا الحاجةِ فالإبعادُ
أو اسْتِتَارٌ حَاجِبٌ مَصُونُ=بِحيثُ لا تراهُمُ العُيونُ
وحيثُ لا يُسمعُ صوتُ ما حدثْ=ولْيَجتنِبْ قِبلتَهُ عندَ الحَدثْ
واجْتنِبَنْ مَا كَانَ ذا احْتِرَامِ=وكُلَّ مَا يَضُرُّ بالأنَامِ
كموَضعِ الجُلوسِ والأنْهَارِ=والطُرْقِ أو مَسَاقِطِ الثِّمارِ
وهيِّئَنْ مِنْ حَجَرٍ ثَلاثا=لتُذهِبَ اليُسْرى بِها الأخْبَاثَا
كذاكَ كُلُّ جامِدٍ مُطهِّرِ=وما الثلاثُ حدُّهُ في الأكثرِ
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- الخليلي، أحمد بن حمد. الفتاوى، ج1 ص25 .
[2] - القنوبي، دروس صيف 1424هـ/ يوافقه 2003م. (مذكرة خاصة ص39).
[3] - الربيع، باب: في آداب الوضوء وفرضه، رقم الحديث 92.
[4] - أما عن لمس المصحف لصاحب الحدث الأصغر فيقول الشيخ القنوبي -حفظه
الله- في هذه المسألة:" ..والحديث الذي رواه الإمام الربيع -رَحمَهُ
اللهُ- تعالى..يدل على المنع..، وعلى كل حال فالأفضل والأحسن ألا يلمس أحد
القرآن إلا وهو طاهر" المرجع: فتاوى إمام السُّنَّة والأصول ص17، أما عن
كتابة الآيات القرآنية لغير المتوضئ فيرى الشيخ القنوبي أن الظاهر عدم
المنع، والله أعلم. القنوبي، سعيد بن مبروك. دروس صيف 2003م(مذكرة خاصة
ص52).
[5] - الربيع، باب: في ذكر القرآن، رقم الحديث12.
[6] - بناء على رأي الجمهور وهو الصحيح. القنوبي، سعيد بن مبروك. دروس صيف 1423هـ/2002م، "مذكرة خاصة" ص94.
واختلفوا -كذلك- في السعي هل تُشترط فيه الطهارة أو لا، والذي اختاره إمام
السنة والأصول عدم الاشتراط، وهو مذهب الجمهور، والله أعلم.
يُنظر: القنوبي، "فتاوى الحج 1" مادة سمعية، إنتاج: مكتبة وتسجيلات الهلال الإسلامية.
[7] - الحاكم في مستدركه، باب: في سورة البقرة، رقم الحديث 3013.
[8] - النسائي، باب: فرض الوضوء، رقم الحديث 139.
[9] - الربيع، باب: ما تفعل الحائض في الحج، رقم الحديث 440.
[10] - الربيع، باب: ما يفطر الصائم ووقت الإفطار والسحور، رقم الحديث 318.
[11] - الترمذي، بَاب: مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ الْحَائِضِ الصِّيَامَ دُونَ الصَّلَاةِ، رقم الحديث 717.
[12] - فَائِدَةٌ: اختلف العلماء في شريط القرآن هل يُعطى حكم المصحف أو
لا؟ والذي يميل إليه شيخنا أبو عبد الرحمن القنوبي -عافاه الله- أن شريط
القرآن (كذاكرة الإنسان، وكالذاكرة الإلكترونية) لا يعطى حكم المصحف، وعليه
فيجوز لصاحب الحدث الأكبر مسُّ شريط القرآن وحمله وإدخاله في آلة التسجيل،
ولا حرج عليه إن نسيه فدخل به دورة المياه، ولكن الاحتياط عند الإمكان هو
المطلوب. يُنظر:
( القنوبي، "جلسة إفتاء" بولاية المصنعة، بتاريخ: 17/ 5/ 2003م).
[13] - الربيع، باب: في ذكر القرآن، رقم الحديث12.
[14] - يُنظر:
· القنوبي، قُرة العيْنيْن ص37.
· القنوبي، دروس صيف 2003م(مذكرة خاصة ص16).
[15] - يُنظر:
· الخليلي، الفتاوى. ج1 ص214.
· القنوبي، برنامج:" سؤال أهل الذكر"- حلقة: 6 رمضان 1422هـ، يوافقه 22/11/2001م.
[16] - من حيثُ الأصلُ، وإلا فإن التيمم يقوم مقامه عند عدمه.
[17] - سُئل فضيلة شيخنا القنوبي-متعنا الله بحياته- في جواب له مسجل عن
الوضوء بماء المواسير مع وجود تغيرٍ في بعض أوصافه بسبب طول المكث بها
فأجاب بأنه طاهر مطهر ولا بأس بالوضوء منه.
(القنوبي، سلسلة في ظلال السنة. فتاوى"1" شرط سمعي، إنتاج: تسجيلات مشارق الأنوار).
[18] - القنوبي، سعيد بن مبروك. دروس صيفية مفرَّغة بمبنى معهد العلوم الشرعية (سابقا بروي)، صيف1421هـ/2000م، رقم المذكرة9 ص6.
[19] - ذكر شيخنا الخليلي -حفظه الله- أن حكم الماء الذي اختلط به التراب
كمياه الأودية حكمه كالماء المطلق؛ لأن التراب يشارك الماء في وَصْفَيهِ:
الطهارة بنفسه والتطهير لغيره، يُنظر: الفتاوى ج1 ص10 .
[20] - فَائِدَةٌ: يقول العلامة القنوبي:" لا بد من تقييد الماء الصالح
للوضوء بكونه غير مغصوب؛ لأن الصحيح أن الوضوء بالماء المغصوب باطل.. وكذلك
الوضوء من آنية الذهب والفضة".
(القنوبي، دروس صيفية مفرَّغة بمبنى معهد العلوم الشرعية (سابقا بروي)، صيف1421هـ/2000م، رقم المذكرة9 ص12).
[21] - ومنها ماءُ زَمْزَمَ، ولا دليل على كراهة أو حرمة استخدامه في
النظافة من توضؤ أو اغتسال أو استنجاء لقدسيته وميزته عن سائر المياه... بل
الدليل يدل على خلاف ذلك وهو الذي درج المسلمون على العمل به جيلا بعد
جيل، وخلفا عن سلف، ومن المعلوم أن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لم يكن
لديها لمختلف استعمالاتها غير ماء زمزم، بل جاء عن النبي e عندما أفاض في
حجه "أنه دعا بسجل من ماء زمزم، فشرب منه وتوضأ" ،(رواه أحمد، رقم/ 532) ،
ولا حظ للنظر عند ورود الأثر، وعدم المنع -مع الاحتياط في ترك الاستنجاء به
عند الإمكان- قال به شيخُنا إمام السُّنَّة والأصول حفظه الله.
(القنوبي. دروس صيف 1425هـ/2004م، "مذكرة خاصة/ شرح أبواب من الإيضاح"، ص25).
[22] - السَّالِمِي، عبد الله بن حميد. مدارج الكمال ص12 .
* - القُلَّةُ: وحدة حجم، تُقدر بالوزن بحوالي 100 كيلو جرام تقريبا. يُنظر: الخليلي، الفتاوى ج1 ص10.
[23] - الربيع، باب: في أحكام المياه، رقم الحديث 158.
[24] - الربيع، باب: في أحكام المياه، رقم الحديث 159.
[25] - لكيْ يُستدَلَّ بمفهوم المخالفة لا بد من عدة تحقق شروط به، ومن هذه
الشروط أن لا يكون واردا مورد الأغلب المعتاد، كقوله تعالى:
}وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ {النساء:
٢٣، فمفهوم الآية أنَّ الربيبة إذا لم تكن في الحِجر فإنه يجوز لزوج أمها
أن ينكحها ولو بعد حينٍ، وقد كادت الأمة أن تُجمع على خلاف ذلك؛ لأن ذكر
الحِجْرِ في الآية جارٍ على الأغلب؛ إذ الغالب في الربيبة أنها تتربى في
بيت زوج أمها، وتفصيل ذلك في كتب أصولِ الفقه لمن شاء الرجوع إليها، يقول
الإمام السَّالِمِي -رَحمَهُ اللهُ- في شمس الأصول(ج1ص520 طبعة: مكتبة
الإمام السالمي الحديثة والمحققة):
وَذَاكَ مِثْلُ عَادَةٍ لِلْعَرَبِ
***
فِيْ نَحْوِ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الأَغْلَبِ
يُنظر:
· القنوبي، دروس صيف 1422هـ/2001م، "مذكرة خاصة" ص15.
· المنتدى الأدبي، قراءات في فكر أبي نبهان، محاضرة لسماحة المفتي
بعنوان:"الجانب الفقهي والاجتهادي في سيرة أبي نبهان" ص137، 138.
[26] - القنوبي، سعيد بن مبروك. دروس صيف 1422هـ/2001م، "مذكرة خاصة" ص10.
[27] - ابن أبي شيبة، باب: من كره أن ترى عورته ج1 ص 129.
وفي هذا الزمان الذي توجد فيه دورات المياه المخصصة لقضاء الحاجة إذا تمكن
الإنسان من إخفاء الصوت والرائحة عن الغير فذلك هو المطلوب وإلا فالله أولى
بعذره، والأمر إذا ضاق اتسع، والله المعين.
[28] - أبو داود، باب: المواضع التي نهى النبي r عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا، رقم الحديث 23.
[29] - جاءت روايات فيها النهي عن استقبال الشمس والقمر وبيت المقدس، وكلها
لا تصح ولا تثبت عن النبي r كما أفاد ذلك شيخنا القنوبي -حفظه الله- في
فتاواه ودروسه الصيفية. يُنظر:
· القنوبي، "جلسة إفتاء" بولاية المصنعة، بتاريخ: 17/ 5/ 2003م.
· القنوبي، دروس مفرغة لصيف 1421هـ/2000م رقم المذكرة3 ص6.
[30]- الربيع، باب: في الاستجمار، رقم الحديث 77.
[31] - الربيع، باب: في الاستجمار، رقم الحديث 77.
[32]- ذكر شيخنا القنوبي -حفظه الله- بأن الأولى ضم الباء في "الخُبُث" بدل
الإسكان "الخُبْث"، وأن الظاهر في تفسير الخُبُث أنها ذكور الشياطين،
والخَبَائِث إناثها، وما ورد من روايات في ذكر البسملة عند الدخول فلم يثبت
شيء منه، وهكذا يقال في رواية "اللهم إني أعوذ بك من الرِّجْسِ النَّجِسِ
الخَبِيثِ المُخْبِثِ...".
للاستزادة يُرجع: القنوبي، تحفة الأبرار ص115-116.
[33]- وردت روايات في دعاء الخروج منها :"الحمد لله الذي أذهب عني الأذى"،
ولكن هذه الروايات ليست بالقوية بل كلها ضعيفة، فالأولى الاقتصار على
الصحيح الثابت، وهو "غُفْرَانَك".
للاستزادة يُرجع: القنوبي، تحفة الأبرار ص116.
[34]- ومن العجيب الغريب أن ينصَّ بعض الناس على هذا الأدب الجليل ثم يروي
بعد ذلك أن النبي r بال قائما، هذا تناقضٌ، وكيف يُقبل ذلك؟!! وهذا الفعل
نفسه لو صدر من أعرابي جافٍ لم يكن مقبولا ولا مستساغا بل كان منكرا عليه
أشدَّ النكير، فكيف بمن أُرسِل متمِّمًا لمكارم الأخلاق، المتوَّج بوصف
العلي الأعلى بقوله تعالى: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ القلم: ٤،
والروايات مهما صحت أسانيدها فإنها يمكن أن تنقد من جهة متونها أيضا؛ إذ
ليست سلامة السند إلا شرطا واحدا من شروط صحة الحديث، كما يُدرَك ذلك من
خلال تعريف الحديث الصحيح :"...من غير شذوذ ولا علة قادحة"، والعلة القادحة
كما تكون في السند تكون في المتن أيضا، يقول شيخُنا إمام السُّنَّة
والأصول -حفظه الله-:"..الحديث الذي فيه أن الرسول e بال وهو قائم هذا
الحديث وإن صحَّ إسناده وجاء عند البخاري وغيره فهو كذب صريح وافتراء
قبيح"اهـ.
وقد برأت السيدة عائشة < ساحة المعصوم e من هذه الفرية العظيمة فقالت :"
من حدثكم أنه بال قائما فلا تصدقوه"، وقد صحح هذه الرواية غير واحد من
العلماء منهم النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/158 (623) فقال: "وإسناده جيد"،
وقد كان من هديه e في قضاء الحاجة إبعادُ المذهب، وعدمُ رفع الثياب إلا
عند الدنوِّ مِنَ الأرض، وكلُّ هذا يتنافى مع هذه الفِريةِ، والله
المستعان. يُنظر:
· القنوبي، جلسة إفتاء "مادة سمعية"، إنتاج: مكتبة وتسجيلات الهلال الإسلامية.
· القنوبي. دروس صيف 1422هـ/ يوم: 9/7 /2001م، "مذكرة خاصة" ص13.
[35] - الربيع، باب: في الاستجمار، رقم الحديث 83. وقصة مقتل الصحابي
الجليل سعد بن عبادة t مذكورة في بعض كتب السُّنَّة، وإن كان لبعضهم فيها
مقال وتضعيف، فالله أعلم بحقيقة الواقع والحال.
يُنظر: المستدرك على الصحيحين، باب: ذكر مناقب سعد بن عبادة الخزرجي، رقم الحديث 5100.
[36] - الربيع، باب: في الاستجمار، رقم الحديث 84.
[37] - عذابُ القبرِ مما أشار إليه القرآن الكريم، وصرحت به المتواترات من
أحاديث الرسول الكريم r، يقول الإمام السَّالِمِيُّ في "أنوار العقول":
ثُمَّ عَذَابُ الْقَبْرِ مِمَّا جَاءَ بِهْ
***
تَوَاتُرُ الأَخْبَارِ مَعْنًى فَانْتَبِهْ
ج
فمن إشارات القرآن الكريم الواضحة على عذاب القبر قوله تعالى:
1- }النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ { غافر: ٤٦.
2- }قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ
فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ { غافر:
١١.
3- }سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ
{التوبة: ١٠١. إضافة إلى الآيات المثبتة لحياة السعداء ونعيمهم في القبور
كقوله تعالى: }وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{ آل عمران: ١٦٩.
ويكفينا من السُّنَّة أن في المسند الصحيح للإمام الربيع بن حبيب -رَحمَهُ اللهُ- سبعَ رواياتٍ نصت وصرحت بعذاب القبر منها:
1- رواية ابن عباس أن رسول الله e كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم
السورة من القرآن"...وأعوذ بك من عذاب القبر". رواه الربيع، باب: في
القبور، رقم الحديث 490.
2- حديث أم المؤمنين عائشة < أن رسول الله e قال عندما مر بيهودية ماتت
وأهلها يبكون عليها :" إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها". رواه
الربيع باب: في القبور، رقم الحديث 488.
3- حديث أبي سَعيدٍ الخدْريِّ t أن رسول الله e قال :"إن أحدكم إذا مات
عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان
من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم
القيامة". رواه الربيع باب: في القبور، رقم الحديث 489.
4- حديث أبي أيوب الأنصاري t أن رسول الله e سمع صوتا حين غربت الشمس
فقال:" هذه أصوات اليهود يعذبون في قبورهم". رواه الربيع باب: في القبور،
رقم الحديث 494.
هذا.. وأمَّا ما جاء من أنّ سعد بن معاذ كان لا يستبرئ من البول، ولذا عُذب
في قبره فكذب مختلق موضوع، وكبيرة رُمي بها هذا الصحابي الجليل الذي اهتز
لموته عرش الرحمن، يقول محدِّث العصر -حفظه الله- في أحد أجوبته المكتوبة:"
ليس ذلك بصحيح ولا حسن، بل هو من أقبح الكذب وأسمجه، فقاتل الله واضعه،
وكذا لم يثبت أنه رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مستقره ومأواه قد عُذِّب
في القبر، والله أعلم".
ويقول في موضع آخر:"وأما حديث ابن عباس (لو نجا أحد من عذاب القبر لنجا منه
سعد...) فهو معلق في زوائد المسند، والمعلق من باب الضعيف كما هو مقرر في
مصطلح الحديث..".
يُنظر:
· القنوبي، بحوث ورسائل وفتاوى- القسم الثالث ص12.
· القنوبي، فتاوى على أسئلة من الشرق الإفريقي، ص18-19.
· القنوبي، برنامج: "سؤال أهل الذكر"، حلقة: 24 رمضان 1425هـ يوافقه 8/11/2004م.
[38] - الربيع باب: في القبور، رقم الحديث 492.
[39] - القنوبي، سعيد بن مبروك. دروس صيف 2004م(مذكرة خاصة ص2).
[40] - المعولي، المعتصم بن سعيد. الوسواس القهري: الأسباب، المظاهر، الحلول. مطوية من إنتاج: مكتبة وتسجيلات أمجاد الإسلام.
[41]- الخليلي، أحمد بن حمد. الفتاوى ج1 ص10.
[42] - الاستنجاءُ عبادةٌ معقولةُ المعنى يُراد منها إزالة عين النجاسة من
موضع خروجها، لذلك فالصحيح أنه لا يشترط لها النية ولا أن يكون الماء
مطلقا، ومع ذلك فقد أوجب أصحابنا الاستنجاء بالماء خشية ما قد يتبقى في
الشقوق من النجاسات التي لا يزيلها إلا الماء أو ما يقوم مقامه من السوائل.
يُنظر: الشماخي، عامر بن علي. الإيضاح ج1 ص45.
[43] - فَائِدَةٌ: وردت رواية في الاستنجاءِ منَ الرِّيحِ "من استنجى من
الريح فليس منا"، لكنها رواية موضوعة لا تصح أبدا، كما نص على ذلك العلامة
القنوبي -حفظه الله تعالى- في بعض دروسه وفتاويه.
(القنوبي، أحاديث ضعيفة. مجلة المعالم/ العدد الثاني (1421هـ/2000م) ص51).
[44] - الخليلي، أحمد بن حمد. الفتاوى ج1 ص11.
[45]- السَّالِمِي، عبد الله بن حميد. مدارج الكمال ص8.